في عام 1960 قرر اثنان من ابناء الهمزان في حائل شراء سيارة نوع فورد 56 اف 600 .. ويطلق عليها محلياً ( لوري ). كان شراء السيارة وهي السيارة الاولى لعشيرتي الهمزان في المنطقة . كان الغرض من الشراء هو استخدامها في التنقلات ما بين حائل وقرة الهمزان ( جنوب حائل 45 كلم ) مقابل ( كروة ) بما يعادل 2 ريال لكل راكب .
القصة بدأت حين وقفت على اطلال هذه السيارة وهي تحاول ان تجعل من نفسها متماسكة رغم الظروف والسن ، ولسان حالها يقول لن أكون مجرد حطام او قطع حديد بالية ، كانت وقتها ترمق نظرات ابناء طاري ( مالك السيارة ) وهم لا ينسون فضل هذه السيارة عليهم وعلى ابناء قريتهم .
عدت تلك الليلة الي بيتي في حائل ، وكان التساؤل كم يلزمني من الوقت لاصلح ما افسدة الدهر .. ربما سنة او سنتين .. لكني لمست رغبة ابناء طاري في اعادة ترميم السيارة . ذهبت الى والدتي وكنت اتسال عن حجم الدهشة التي زرعتها هذه السيارة في نفوس من رأها لاول مرة ، كيف كانت تلك السيارة بديلاً للجمل ، كيف تنازل البدوي عن جماله ليركب هذا الجني السحري يطوي فيه الارض ، ويبحث فيها عن مراعي خصبة قبل الاخرين ..
حين ذكرت هذه السيارة لوالدتي حفضها الله ، قالت تعني : ام الجمايل .. قلت وهل هذا الاسم شائع ؟ وبدأت تروى قصص كانت عصيبة على مجتمعاتنا في ذلك الوقت ، وكان الاعتماد على الجماعة هو اساس للبقاء. تذكر امي قصص كانت تسافر فيها الى حائل على ظهر السيارة لطحن دقيق او شراء سكر او بيع غنم .. كانت ام الجمايل تنقل ابناء القرية الى حائل بشكل اسبوعي ، وكان الجميع يركب في الصندوق الخلفي الذي انقسم الى شطرين . الطرف السفلي يكون مخصصاً للنسائ والطرف العلوي يكون مخصص للنساء ، وكان الاطفال يركبون على منصة علوية في السيارة ، اما الذين يرغبون في الاكثر ترفاً فهناك الدرجة الاولى وهي قمرة القيادة .
ذكرت لي امي الكثير من الجمايل والقصص المعبرة عن التآلف والمحبة والتعاضد ، وكيف ان السيارة كانت هي الوسيلة الاكثر نفعاً حين اشدت عليها الظروف .
أن حب البذل والعطاء والاخاء والرحمة والتعاضد والتقدير لم يصدر من قطعة حديد ، لقد كان المغفور له انشاالله الشيخ طاري هو من يقود هذه الزخم والكرم الحاتمي في العطاء ، والذي بقى متأصلاً في ابناءه وعشيرته التي لم تنس تلك الفضائل. حيث كان الجميع وقتها على محك جوع ، وفقر ، وقفر ، ومرض ، كانت القصص تروى والاطفال يموتون جوعاً ومرضاً ، كان الوضع استثنائياً .
ولان الوضع كان استثنائياً ، كان لابد ان يصاحبه فعلاً استثنائياً ، فقد قررت ان اكون انا من يرد الجميل لاصاحبه ، على الاقل بتكريم صاحبتنا ام الجمايل .
تحدثت فيها اولا مع اصحابي في الولايات المتحدة للبحث عن سيارة يمكن لنا شرائها والاستعانة بها في توفير فطع الغيار وهذه هي الطريقة الانسب في توفير القطع الغيار واكثرها شهرة . حبث يندر توفر القطع لهذه السيارة . وبالفعل تم رصد عدد من السيارات التي يمكن لنا شراءها واستيرادها للسعودية والبدء في عملية الترميم .
واثناء البحث ، قمت بالاتصال باحد الورش المتخصصة في المذنب ( ورشة الحايك ) وقمت بارسال الصور لمعرفة التكاليف المتوقعة لاعادة الترميم . وسرعان ما جاء الرد بامكانية الترميم داخل السعودية والغاء فكرة شراء سيارة بديلة من امريكا حيث يتوفر البديل في السعودية بسعر اقل كلفة من امريكا .
وبسرعة البرق تم شحن السيارة الى المذنب للبدء في عملية الترميم ، على ان يكون التحدي هو الانتهاء من الترميم قبل عيد الاضحى ( وقتها كنا في اجازة عيد الفطر ) .